بنية تحتية مدمَّرة، ووهمية المناطق الآمنة.. تداعيات قصف طريق خان يونس- رفح

بنية تحتية مدمَّرة، ووهمية المناطق الآمنة.. تداعيات قصف طريق خان يونس- رفح

منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 يعيش قطاع غزة أحداثًا مأساوية متمثلة بقصفٍ مباشر وتدميرٍ للبنية التحتية وفقدان ضحايا مدنيين. ليس ذلك فقط بل يفقد المدنيون الوصول الآمن لمناطق قد تعتبر آمنة للنزوح. 

توصلت الأطراف المتصارعة بعد عدة مفاوضات إلى سبعة أيام للهدنة الإنسانية ، حيث أُوقف فيها القتال وسُمِح لجزءٍ من المساعدات الإنسانية بالوصول للقطاع.  استمرت الهدنة لمدة أربعة أيام ثم مُددت يومين إضافيين بين 24 نوفمبر/ تشرين الثاني لغاية 01 ديسمبر/كانون الأول 2023. لكن مابرحت إسرائيل حتى استأنفت عملياتها العسكرية فورًا بعد انقضاء المهلة في غزة بقصف مناطق مختلفة في القطاع مستخدمة المدفعية والبوارج والطائرات الحربية وعادت معها الأسئلة حول ما إذا كانت إسرائيل تأخذ أبسط الاحترازات لتخفيف الخسائر البشرية في صفوف المدنيين أم ما زالت مستمرة بسياسة العقاب الجماعي وحرمان المدنيين من الوصول إلى ملاذ آمن والوصول للخدمات الرئيسية منها المياه والمستشفيات.  

في اليوم الأول لاستئناف إسرائيل لعملياتها العسكرية بعد الهدنة الإنسانية  تعرضت منطقة خان يونس لقصف شديد بالإضافة إلى إيعاز المدنيين هناك بالتوجه نحو مدينة رفح باعتبارها مكانًا آمنًا، حيث قصفت غارات جوية إسرائيلية مزعومة الطريق الرئيسي بين خان يونس ورفح والبنية التحتية الأساسية الموجودة على نفس الطريق و المتمثلة بأنابيب المياه، ما عرقل حركة المدنيين نحو مناطق آمنة وأثّر على وصولهم إلى الموارد الحيوية، الأمر الذي قد يعزز التهم الموجهة لإسرائيل بانتهاك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي وارتكاب جرائم حرب من خلال سياسة العقاب الجماعي للمدنيين في غزة.

مناطق آمنة وهمية:

ما أن انقضت المهلة الإنسانية في صباح يوم الجمعة 01 ديسمبر/كانون الأول 2023 عند الساعة الخامسة فجرًا حتى استأنف الجيش الإسرائيلي  هجماته العسكرية بغارات جوية مكثفة إضافةً لأسلحة مختلفة أصابت مناطق عدة في قطاع غزة، نتج عنها العشرات من الضحايا المدنيين حسب التقارير المتاحة. حيث قُصفت منطقة أبو اسكندر شمالي قطاع غزة، بالتوالي تم قصف مناطق أخرى في الشمال -داخل- مدينة غزة خاصة مثل منطقة شيماء، وحي الزيتون وشارع الدحدوح عند محطة تحلية المياه، وحي الشيخ رضوان

امتدت هذه العمليات العسكرية لتشمل هجمات على مناطق وسط القطاع كما هو الحال في منطقة النصيرات وسوقها، ومنطقة دير البلح، ومخيمي البريج والمغازي. في الجولة الثانية من الحرب بعد الهدنة الإنسانية اشتدت أيضًا سلسلة الهجمات على مناطق جنوبي القطاع، حيث قُصفت عدة مناطق في خان يونس منها بلدة عبسان وبني سهيلا وحي الأمل، الأمر الذي وصفه البعض بمحاولة لفصل المناطق عن بعضها. مع ذلك، في مدينة خان يونس (وهي إحدى المناطق التي تركّز عليها جزء كبير من عمليات القصف) ألقى  الجيش الإسرائيلي مناشير ورقية  كُتب عليها التالي:

"إلى سكان القرارة, خربة الخزاعة, عبسان وبني سهيلة
عليكم الإخلاء فوراً والتوجه إلى الملاجئ في منطقة رفح.
مدينة خان يونس هي منطقة قتال خطيرة.
لقد أعذر من أنذر
جيش الدفاع الإسرائيلي"
ربما توحي هذه العبارات عن وجود ممرات قد هيأها الجيش الإسرائيلي للمدنيين لتسهيل وتعجيل خروجهم من مناطق القتال إلى أخرى آمنة وأن منطقة رفح قد تخلو من أي احتمالات لهجمات قد تصيب المدنيين النازحين من خان يونس، لكن الوقائع قد تشير خلاف ذلك تمامًا. كانت رفح تُقصف، حيث تناقلت ادعاءات حول قصف منازل المدنيين وقتلهم إضافة لهجمات على المنشآت المدنية كالمساجد ؛ إلا أنه إضافة لغياب أي شكل من أشكال الأمان للسكان في رفح قام الجيش الإسرائيلي حسب الادعاءات بقصف الطريق الرئيسي الفاصل بين خان يونس ومدينة رفح إضافة لتضرر أنابيب المياه التي تمر في هذا الطريق حسب ما أشارت التقارير والصور المتاحة وشهادات العيان إضافة للآثار قريبة وبعيدة المدى على الموارد الأساسية.

التحليل الزمني للأحداث

بالنظر إلى تسلسل الأحداث يمكن ملاحظة أن العمليات العسكرية التي جرى تنفيذها بعد وقف المهلة الإنسانية، تركّز جزء واسع منها على مناطق جنوب قطاع غزة تحديدًا في عدة مناطق في مدينة خان يونس، وثّقت قناة الجزيرة ما وصفته بأول غارة جوية على خان يونس بعد انتهاء مدة التهدئة من خلال فيديو نشرته على صفحتها على الفيسبوك الساعة 08:26:08 بتوقيت مدينة غزة. بعد الغارة الأولى بدأ تداول الأخبار عن ضحايا مدنيين علقوا تحت الأنقاض لتصبح منذ وقتها مدينة خان يونس تحت تأثير الهجمات المتكررة.

من خلال فحص البيانات الوصفية لتوقيت نشر هذين المنشورين على منصة فيسبوك من خلال خاصية
Inspect. ثم البحث عن الطابع الزمني داخل بيانات فيسبوك المرفقة للمنشور بالبحث عن عبارة story":{"creation_time يظهر أمامها معرف الطابع الزمني للمنشور.

ومنه يظهر المعرف الزمني لمنشور قناة الجزيرة الأول الذي أبلغ عن أول غارة جوية على خان يونس عقب الهدنة الإنسانية على منصة فيس بوك كالتالي
(1701411968) ويظهر أيضًا المعرف الزمني لمنشور الجزيرة الذي تلاه مبلغًا عن أول مجموعة ضحايا في خان يونس كالتالي (1701413723). باستخدام أداة EpochConverter لتحويل المعرف إلى توقيت مدينة غزة يظهر أن المنشور الأول نُشر يوم الجمعة الأول من ديسمبر الساعة 08:26:08 بتوقيت مدينة غزة، والمنشور الثاني بعده بنحو نصف الساعة تحديدًا عند الساعة 08:55:23 بتوقيت مدينة غزة.

من خلال البحث العكسي عن المعلومات وجدنا أول نسخة من تلك المنشورات التي ألقاها الجيش الإسرائيلي على خان يونس طالبةً من سكان القرارة وخربة الخزاعة و عبسان وبني سهيلة التوجه إلى منطقة رفح، والتي قام بنشرها الصحفي محمود اللوح على منصة تلغرام عند الساعة 09:15 صباحًا من ذات اليوم؛ أي بعد نحو ما يقارب 49 دقيقة من بدء المعارك العسكرية في المنطقة منذ بدء استئناف العمليات العسكرية عقب اتفاق التهدئة.

صورة نشرها الصحفي محمود اللوح على منصة تلغرام تظهر المناشير التي ألقاها الجيش الإسرائيلي على سكان بعض المناطق في خان يونس طالبة منهم التوجه نحو رفح. فبراير/شباط 2024.

بينما تتسارع الأخبار حول احتداد شدة المعارك في منطقة خان يونس تم رصد منشور على منصة تلغرام من قبل حساب باسم "نبض مقدسي" يخبر بقصف الطريق الفاصل بين رفح وخان يونس عند الظهيرة، وتحديدًا الساعة 12:01 بالتوقيت المحلي لقطاع غزة؛ أي بعد أقل من 3 ساعات من طلب إسرائيل من المدنيين التوجه نحو رفح.

لقطة شاشة لمنشور "نبض مقدسي" على منصة تلغرام، والذي أبلغ فيه عن حادثة قصف الطريق الفاصل بين خان يونس ورفح. فبراير/شباط 2024.

للتأكد من صحة هذه الأخبار، تمت مقاطعة مجموعة من المصادر وإجراء عمليات بحث معمقة في وسائل التواصل الإجتماعي، حيث رُصدت مجموعة أخبار أبلغت عن صحة هذا الهجوم. من بين هذه الأخبار منشور شاركه حساب "رباب ابوحطب" على منصة فيسبوك. بعد استخراج الطابع الزمني لهذا المنشور باتباع الخطوات السابقة يظهر المعرف الزمني كالتالي (1701425023) والذي أظهر أن الحساب شارك المنشور الساعة 12:03:43 ظهرًا بالتوقيت المحلي لقطاع غزة.

تلاه منشور آخر شاركه "ماجد ابو حميد" على فيسبوك كان يحتوي على مقطع فيديو يدّعي أنه للحظات الأولى بعد الهجوم على الطريق الفاصل بين خان يونس ورفح. تم فحص الطابع الزمني لهذا المنشور للتحقق من الوقت الدقيق لنشره والذي يظهر من خلال فحص البيانات الوصفية لتوقيت نشره على منصة فيسبوك من خلال خاصية Inspect كالتالي (1701425267) باستخدام أداة EpochConverter مجددًا لتحويل المعرف إلى توقيت مدينة غزة يظهر أنه نُشر يوم الجمعة الأول من ديسمبر/كانون الأول الساعة 12:07:47 بتوقيت مدينة غزة.

الجدير بالذكر أنه بينما يتوافق موعد بث شريط الفيديو مع تسلسل الأحداث إلا أن التحقق من أصالته وموقعه الجغرافي الدقيق كان تحديًا لفريق التحقيق نظرًا للبيانات المحدودة المتاحة، بالتالي تعذّر علينا التحقق من صحته إن كان بالفعل يظهر الدخان الناتج عن قصف الطريق الواصل بين خان يونس ورفح.

موقع التأثير:

في اليوم التالي للحادثة، نشرت وسائل إخبارية وناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي صورًا تظهر موقع حادثة قصف الغارات الإسرائيلية المزعومة على الطريق الفاصل بين مدينتي خان يونس ورفح، كـ فيديو نشرته قناة رؤيا وصور شاركتها صفحة " The Peninsula Qatar" على موقع إكس.

مجموعة صور نشرها حساب الموقع الإخباري The Peninsula Qatar على موقع إكس والتي تظهر آثار الدمار على الطريق الفاصل بين مدينتي خان يونس ورفح وإتلاف شبكة المياه. فبراير/شباط 2024.

بالبحث عن موقع التأثير المحتمل عبر خرائط جوجل والتحليل المقارن لصور الأقمار الصناعية لموقع الحادثة مع المعالم البارزة في لقطات الفيديو التي نشرتها قناة الجزيرة وحساب Saleem Z. Aburas بالإضافة لصور نشرها Ahed Al-ledawi  على فيسبوك، تم التثبت من الموقع الجغرافي المتضرر بدقة، حيث يقع  بالفعل على الطريق الرئيسي بين خان يونس ورفح عند تقاطع طريق عمر بن الخطاب مع شارع عبدالناصر في منطقة ميراج جنوب قطاع غزة عند إحداثية:  31.307655, 34.279697.

للتحقق من التسلسل الزمني للبلاغات عن الحادثة والتحليل المقارن للمعالم البارزة الظاهرة في صور موقع الهجوم مع الموقع المعني على صور الأقمار الصناعية تم إجراء مقارنة لصور الأقمار الصناعية قبل وبعد الهجوم لملاحظة أي تغيرات قد تكون ظاهرة وإضافة طبقة جديدة للتحقق من الحادثة.

أظهرت اللقطات من صور الأقمار الصناعية على خرائط Planet Labs PBC وجود تضرر في الطريق المقصوف بمقارنة لقطتين سُجلت إحداها قبل الحادثة بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 والأخرى بعد الحادثة بتاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول 2023 ما يثبت وجود آثار للهجوم.

بعد التأكد من صحة الأخبار المتداولة حول قصف الطريق الواصل بين خان يونس ورفح بعد عدة ساعات من إلقاء الجيش الإسرائيلي مناشير تطلب من المدنيين في عدة مناطق في خان يونس مثل منطقة القرارة؛ قمنا بالبحث عبر خرائط جوجل عن ما إذا كان بالفعل الطريق المقصوف أحد الطرق الرئيسية التي قد يسلكها المدنيين نحو المناطق الآمنة المزعومة في رفح حسب ما ذكر الجيش الإسرائيلي في تلك المناشير. أظهرت نتائج البحث أن منطقة الهجوم هي نقطة التقاء طريقين رئيسيين من أصل ثلاثة مؤدية نحو رفح، أدى الهجوم إلى عرقلة استخدام المدنيين لاثنين منهم.

مقارنة لصورة من الأقمار الصناعية بتاريخ 24 نوفمبر 2023 تظهر موقع التأثير قبل الهجوم مع صورة أخرى من Planet Labs PBC بتاريخ 15 ديسمبر 2023 تظهر آثار الهجمات على الطريق بعد الهجوم. فبراير/شباط 2024.

لقطة شاشة من خرائط غوغل تظهر موقع الهجوم على الطريق الواصل بين خان يونس ورفح الذي عرقل استخدام طريقين من ثلاثة قد يستخدمها المدنيين أثناء التوجه من خان يونس إلى رفح. الأزرق الداكن طريق عمر بن الخطاب الرئيسي، الأزرق الفاتح على اليمين طريق الناصر، الأزرق الفاتح على اليسار طريق الإمام علي. فبراير/شباط 2024.

اعتمادًا على الصور والتحليل المقارن للمحتوى المرتبط بالحادثة يمكن استنتاج أن قصف الطريق الواصل بين خان يونس ورفح قد حصل بالفعل، والذي يبدو أنه في نقطة تجمع طريقين رئيسيين من أصل ثلاثة يستخدمها المدنيين حال ضرورة التنقل هربًا من خان يونس إلى رفح.

صورة من خرائط جوجل توضح الموقع الدقيق لموقع التأثير عند: 31.307655, 34.279697. الصورة لأعلى اليمين من فيديو نشرته "قناة الجزيرة"، الصورة لأعلى اليسار نشرها "Ahed Al-ledawi"، الصورة في الأسفل يمين من فيديو نشره حساب "Saleem Z. Aburas".

تعكس الصور الملتقطة لموقع الحادثة عقب الهجوم والتي قام بمشاركتها العديد من المصادر مدى الدمار الذي خلّفته هذه الهجمات على الطريق الفاصل بين خان يونس ورفح. من بين هذه المصادر لقطات فيديو نشرتها وكالة وفا عبر منصة يوتيوب حيث برزت في المقطع المرئي حفرتين خلّفتهما الضربات على الطريق.

مجموعة صور تظهر آثار الدمار على الطريق وعلى البنية التحتية. الصورتين أعلى اليمين من فيديو نشره حساب فلسطين للإعلام الرقمي، والصورة في أعلى اليسار من مقطع نشره تلفزيون عودة، والصورة في الأسفل من مقطع نشرته وكالة وفا. فبراير/شباط 2024.

من بين هذه الحفر التي نتجت عن القصف الذي خلف دمارًا واسعًا في البنى التحتية كالطريق العام الفاصل بين خان يونس ورفح إضافة لشبكات الخدمات الأساسية أسفل الطريق المتأثر، حفرة واسعة في منتصف الطريق كادت أن تمنع العبور بشكل كامل.

لقطة شاشة من مقطع نشرته وكالة وفا يظهر حفرة واسعة خلّفها قصف الطريق الفاصل بين خان يونس ورفح. فبراير/شباط 2024.

آثار الهجوم على البنية التحتية:

لقياس أبعاد الحفرة الناتجة عن الضربات الجوية المزعومة، تم استخدام برنامج "ImageJالذي يقدّر قياس الأحجام داخل الصور من خلال تحديد مرجع يعرف قياسه في الواقع، في هذه الحالة تم استخدام السيارة الموجودة كمرجع وحدة قياس في الصورة وهو 4 أمتار تقريبًا.

للوصول إلى قياس تقريبي لقطر هذه الحفرة تم وضع خط القياس المرسوم على الصورة الثانية، والذي من خلاله تم قياس قطر الحفرة بمعدل 7.5 متر تقريبًا. بشكل مماثل في الصورة الثالثة، تم رسم خط عمودي لقياس عمق الحفرة، وتبيّن أن العمق هو 2.8 متر تقريبًا.

صور توضح حجم الحفرة المتكوِّنة من ارتطام القذيفة بالطريق، باستخدام برنامج "ImageJ" عبر تحديد طول الشاحنة كمرجع للطول. الصورة من حساب الموقع الإخباري" The Peninsula Qatar" على موقع إكس. فبراير/شباط 2024.

من خلال هذا التقييم المبدئي للحفرة الناتجة عن الهجوم بقطر نحو 7.5 متر وعمق حوالي 2.8 متر تقريبًا، ووفقًا لتقرير خدمات أبحاث الأسلحة (ARES) عن الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة؛ أنه من خصائص وآثار قذيفة متفجرة كبيرة الحجم بوزن ربما 250-500 رطل (باوند) موجهة أو غير موجهة أوصلت بغارة جوية أن تحدث حفرة في أرض غير صلبة بقياس 8x2.2 (صفحة 49 من التقرير) بشكل يتوافق مع تحليل الحفرة التقريبي (7.5x2.8) والتقارير وشهادات العيان حول قصف الطريق الواصل بين خان يونس ورفح بغارة جوية إسرائيلية محتملة، الأمر الذي عرقل من قدرة المدنيين على التوجه لأماكن آمنة -إن وجدت-.

صورة من تقرير خدمات أبحاث الأسلحة (ARES)، تظهر الجداول تحليل قياس الحفرة والدمار على البنية التحتية مقابل وزن القذيفة.

كما يظهر أيضًا في مقطع نشره حساب "تلفزيون عودة" على منصة يوتيوب تشقق الأسفلت وتناثر الركام ووجود تأثيرات عنيفة على الموقع المتضرر مع تدمير واضح على شبكة الطرق والمياه. من الجلي أن هذه التأثيرات نتجت عن انفجارات ذات طاقة شديدة يصعب تحديد هويتها بدقة وتسمية نوع السلاح لعدم وجود أي بقايا يمكن الاعتماد عليها في التحليل ولكن وفقًا للمعطيات كتحليل حجم الحفرة والتأثير الناتج يمكن تقدير احتمالية أن يكون القصف فعلًا ناتج عن غارة جوية وسلاح ذي حجم كبير نسبيًا.  


الجدير بالذكر أن التقييم يعتبر تقييم تقريبي وأن أي تحليل دقيق سوف يتطلب لجان تحقيق مختصة قادرة على الوصول لموقع الحادثة.

تبين الصور وضوح التداعيات على المدنيين الراغبين بالتوجه نحو مناطق آمنة كما وعدت إسرائيل عبر المنشورات التي ألقتها على المدنيين في خان يونس بعد بدء الغارات على المنطقة ووقوع ضحايا مدنيين حسب المصادر المتاحة، حيث طلبت منهم التوجه إلى رفح قبل الهجوم على الطريق بثلاث ساعات فقط. 

تشير الصور المتاحة وشهادات العيان الى تأثير الدمار الواسع للطريق الرئيسي الذي يربط بين خان يونس ورفح، حيث الأسفلت متصدع ومتناثر بفعل قوة الهجمات التي نتجت عنها أيضًا حفر عميقة أكبرها في منتصف الطريق، حيث أنها تعيق أي محاولة للعبور الآمن، ما يعكس تأثيرًا مباشرًا على حركة المدنيين اليومية. تظهر هذه التبعات على حركة المدنيين جليًا في إحدى الصور التي شاركها مصدر أخباري على منصة تويتر ينذر فيها بمدى تأثر الوضع من خلال المركبة العالقة على طرف الحفرة التي خلفها قصف الطريق. تقطع هذه الأضرار سبل الوصول، وتُجبر الأهالي على تغيير مساراتهم المعتادة، ما يضيف عبئًا كبيرًا على حياتهم اليومية ومدى شعورهم بالأمان أثناء التوجه إلى مناطق آمنة مزعومة.  

إضافة للحفرة، لم يقتصر قصف الطريق الواصل بين خان يونس ورفح على الحد من قدرة المدنيين على التوجه بسلام إلى مناطق آمنة مزعومة فقط؛ حيث أخبر أحد الشهود العيان عن آثار عميقة أخرى على البنية التحتية التي من شأنها خلق تبعات على المدنيين على المدى القريب والبعيد.

من بين تبعات الهجوم كان تدمير شبكة المياه المارة أسفل الطريق المدمر والتي تعد حد وصف شاهد عيان: "شبكة مياه رئيسية تعتمد عليها مناطق زراعية واسعة، وهي بلدة الفخاري وبيت النصر وبيت الشوكة". حيث يُلاحظ من خلال الصور المنشورة للموقع بعد القصف تأثر الأنابيب وتجمع المياه في الحفر الناتجة عن القصف، ما يُعيق الوصول الآمن للمياه. كما تُظهر الصور الأشخاص وهم يحاولون إصلاح الأضرار بشكل يدوي.

صورة نشرها حساب الموقع الإخباري" The Peninsula Qatar "على موقع تويتر والتي تظهر إحدى مركبات المدنيين عالقة أثناء محاولة عبور الطريق الفاصل بين مدينتي خان يونس ورفح نتيجة الهجوم. فبراير/شباط 2024.

مجموعة صور تظهر تضرر شبكة المياه أسفل طريق خان يونس- رفح وبعض الأفراد وهم يعملون على إصلاح شبكات المياه. أعلى وأسفل اليمين صورة من" The Peninsula Qatar" بالإضافة للصورة أسفل اليسار. أعلى اليسار صورة من "Ahed Al-ledawi" . فبراير/شباط 2024.

تُظهر الصورة عبر الأقمار الصناعية المُلتقطة للمناطق المحيطة ببلدات الفخاري، بيت نصر وبيت الشوكة، مناطقًا زراعية واسعة تُشكل نسيجًا من الأراضي المُستصلحة والمزروعة حيث تبدو هذه الأراضي مُقسمة ومتناسقة مع وجود الصوبات المخصصة للزراعة واضحة في تلك المناطق، إضافة للمنطقة المحيطة بالموقع المتأثر أيضًا، وهو ما يُشير إلى وجود قطاع زراعي في هذه المناطق، وقد يكون القصف على الطريق الواصل بين خان يونس- رفح يشكل تأثيرًا حقيقيًا على البنية التحتية المائية المُغذية لهذه الأراضي والذي قد يكون له عواقب على الإنتاج الزراعي وحياة المدنيين.

صورة من موقع جوجل إيرث للأقمار الصناعية توضح بُعد بلدة الفخاري (5 كم)، بيت نصر (2.8 كم)، و بيت الشوكة (6 كم) عن نقطة الهجوم على الطريق الفاصل بين خان يونس ورفح.

صورة عبر الأقمار الصناعية من خرائط جوجل لموقع التأثير، تظهر المساحات الخضراء بالإضافة لوجود الصوبات المخصصة للزراعة. فبراير/شباط 2024.

صورتين لنموذج الصوبات المخصصة للزراعة تظهر مقوسة بأغلفة بيضاء، تتشابه مع الأشكال الظاهرة على صور الأقمار الصناعية. الصورة أسفل من موقع "farm credit"، الصورة الأخرى في الخلف من موقع "freepik".

وأضاف شاهد العيان خلال إفادته عن الحادثة أن التبعات قد تهدد استمرار مستشفى غزة الأوروبي في متابعة عمله نتيجة لقصف وتضرر خطوط الخدمات الرئيسية الواصلة إليه والتي كانت تمر تحت الطريق المقصوف والذي يبعد نحو 4 كم فقط من الموقع.

صورة من موقع جوجل إيرث للأقمار الصناعية تظهر المسافة بين نقطة الهجوم على الطريق الفاصل بين خان يونس ورفح و موقع مستشفى غزة الأوروبي والتي تبلغ نحو 4 كم فقط. فبراير/شباط 2024.

في النهاية ، وفّر هذا التحقيق تحليلاً لتسلسل الأحداث وتوثيقًا للهجمة التي أصابت الطريق الواصل بين خان يونس ورفح والآثار المترتبة على البنى التحتية للطريق، وهنا يبرز السؤال المُلح حول حقيقة توفير مناطق وممرات آمنة للمدنيين دون تعرضهم لأذى غير ضروري وليس له دوافع عسكرية تبرره.

يوضح التحليل قصف ممر عبور رئيسي للمدنيين من خان يونس إلى رفح بعد أقل من ثلاث ساعات من إلقاء إسرائيل مناشير تطلب فيها من المدنيين مغادرة خان يونس إلى مناطق آمنة في رفح، ثم قصف الطرق الرئيسية المؤدية إليها؛ حيث تبرز الصعوبات الواقعة على المدنيين وشعورهم بعدم الأمان والثقة بوجود مناطق آمنة إضافة للآثار بعيدة وقريبة المدى الناتجة عن هذا الهجوم.

قد يُعد هذا التكتيك بمثابة إلحاق مزدوج للأذى الذي ينعكس تأثيره على المدنيين كما وضحته الصور المستخدمة في هذا التحقيق، ما يعيق وصولهم للمناطق الآمنة ويؤدي إلى عزلة مجتمعات بأكملها، إضافة للتبعات الأخرى قريبة وبعيدة المدى على قدرة المدنيين في البقاء بينما قُصفت شبكة المياه الزراعية، وقدرة المستشفيات على متابعة عملها في ظل تضرر خطوط الخدمات الرئيسية.

تكمن أهمية تحليل هذه الأحداث لفهم تأثيرها على المستويين الإنساني والاجتماعي، وضرورة تضافر الجهود الدولية لحماية المدنيين وضمان حقهم في الأمان والحركة دون خوف من الهجمات في بيوتهم أو أثناء مغادرتهم من مناطق العمليات العسكرية نحو أماكن يمكن اعتبارها آمنة.

المنهجية:

جمع المعلومات: تمّ جمع وحفظ وتحليل مقاطع الفيديو والصور من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية المنشورة مع مراعاة التنوع في استخدام محركات البحث على الإنترنت، والتنوع في استخدام المصادر، والتنوع في استخدام كلمات البحث المفتاحية، ولغة البحث. وقد بلغ عدد المصادر التي تمّ استخدامها في التحقيق 24 مصدرًا بوسائط مختلفة.


التسلسل الزمني: تم تحديد نطاق تاريخ ووقت الهجوم من خلال عمليات البحث المتقدمة على موقع فيسبوك باستخدام أداة "WhoPostedWhat"، والبحث في بيانات المنشورات للتحقق من الموعد الزمني الدقيق لنشر المحتوى، بالإضافة لتحليل الطابع الزمني وإيجاد الوقت الدقيق للنشر عبر أداة "EpochConverter"، وعمليات البحث المتقدم على موقع إكس و تيلغرام.

التحقق من الموقع الجغرافي: تم تحديد الموقع الجغرافي لمكان التأثير من خلال البحث على مواقع الصور الصور الصناعية مثل "Google maps" و"Google Earth"، ومقارنتها مع صور نشرت لمكان الحادثة قبل أو بعد الهجوم، إضافة لذلك، تم إجراء مقارنة بصرية لصور الأقمار الصناعية قبل وبعد الحادثة لرصد التغيرات التي جرت على موقع التأثير نتيجة الهجوم كطبقة إضافية للتحقق من التسلسل الزمني للأحداث وصحة وقوع الحادثة حسب ما نشره المستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي من مواد مصوّرة. بالإضافة لاستخدام أداة "ImageJ" لحساب قياس تقريبي للحفرة التي نتجت عن الهجوم.

كان هذا التحقيق نتيجة لمراحل متعددة من تحليل المعلومات المتوفرة مفتوحة المصدر، والتي وفرت بيانات حول تاريخ ووقت وموقع الحادثة. على الرغم من ذلك، لم يتمكن معد التحقيق من تحديد نوع الذخيرة المستخدمة أو الجهة المحتملة المسؤولة عن الهجمات بناءً على مراجعة كافة المعلومات المتاحة حول الهجوم.